شروطُ الحجاب وأدلّتهُ
أولاً : استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفّين فقط -إن أُمِنت الفتنة-
والخلاف هنا -أي في مسألة كشف الوجه و الكفّين- كبيرة جدّاً فقد انقسم العلماء بين مجيز لذلك و غير مجيز , ولكلٍّ أدلّته المعتبرة غير أنّ حجاب أمّهات المؤمنين ومن استنّ بسنّتهنّ وسار على طريقهنّ هو ستر الوجه والكفّين -وهذا ما ارتضاه فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم لنسائه رضوان الله عليهنّ - و إليكنّ هذا الدليل : وهو مارواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح عن أنس بن مالك قال ( أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبني عليه بصفية بنت حيي فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم أمرنا بالأنطاع فالقي فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا : إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه
فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومدّ الحجاب بينها وبين الناس )) ...
وفي رواية: (( وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه))...
وهنا نرى أنّ الصحابة كانوا يميّزون نساء النبيّ عليه الصلاة والسلام من إمائه من الحجاب أي من ستر الوجه، فهذا ما ارتضاه النبيّ صلى الله عليه وسلّم لنسائه أفلا ترضينه لنفسكِ أختاه ؟؟؟ ... و إذا أُمِنَت الفتنة وأردتي كشف الوجه والكفّين فاعلمي أنّ حدود وجهكي كما جاءت الآثار من على الحاجببين , و عند كشف الكفّ اعلمي أنّ كشف معصمكِ عورة ... وعليكِ أن تعلمي أختاه أنّه يجب عليكِ لبس الجلباب على الخمار وهذا في قوله تعالى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) وهذا قول الكثير من العلماء والمفسرين ... وهذا لئلا يوصف حجم الرأس والأكتاف و لستر شعر الناصية والرقبة أيضاً ... ونرى هنا مخالفة الكثيرات من المحجّبات ... نسأل الله العفو والعافية ...
ثانياً : أن لا يكون زينة في نفسه.
لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور : ( ولا يبدين زينتهن ) [ آية 31 ] فإنّه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها ويشهد لذلك
قوله تعالى في [ الأحزاب : 33 ]: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره ( ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا وأمة أوعبد أبق فمات وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم )) ... وقد قال الشيخ الألبانيّ في كتابه جلباب المرأة المسلمة والذي تمّت الإستفادة منه في هذه الرسالة : (التبرج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل ) . والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة وهذا كما ترى بيّنٌ لا يخفى ولذلك قال الإمام الذهبي في ( كتاب الكبائر ) ( ص 131 ) : ( ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم :اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء ) . قلت: وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران ابن حصين وغيره ... ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قَرَنَهُ بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات وذلك حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على أن لا يفعلن ذلك فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه في الحديث الحسن الذي رواه الإمام أحمد وغيره : ( جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال : أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى ) ... انتهى كلام الشيخ ...
ومن المؤسف حقيقةً ما نُشاهدهُ اليوم من تفشّي حجاب الزينة , ولا أدري حقيقةً أنّ من ارتدته ماذا حجبت بالحقيقة ؟ ... والله لم تحجب إلا معنى الحجاب ...
ثالثاً : أن يكون صفيقاً لا يشفّ.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا((... و قد تواتر عن الصحابة إنكارهُنّ لمن لبس ما يشفّ وعدّ العلماء هذا الفعل من الكبائر ...فلا يجوز أختاه للمسلمة أن تلبس ما يشفّ عن لون شعرها وجسدها أو ما يَصِفهُ ويحجمّهُ أعاذنا الله وإيّاكنّ من أن نكون عُرضةً لهذا الوعيد ...
رابعاً : أن يكون فضفاضا غير ضيّق.
لنقرأ هذا الأثر عن بضعة النبيّ صلى الله عليه وسلّم ولنتفكر به أختاه : روى البيهقيّ في سننه الكبرى عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ( يا أسماء إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء-أي بعد الموت-أنه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة رضي الله عنها ما أحسن هذا وأجمله لا يعرف به الرجل من المرأة فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي عليَّ أحداً)) ... لم ترضَ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها أن يوصف جسدها حتّى بعد موتها و استقبحت ذلك وسُرّت عندما صنعت لها أسماء ما يشبه الهودج ... وقد علمت المقصد من الحجاب حال الوفاة كما في حال الحياة ولم يكن خافياً عليها حديث أبيها عليه الصلاة والسلام فقد روى الإمام أحمد وغيره حديث أسامة بن زيد بإسناد حسن بقوله : (( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي فقال :مُرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)) ... -وقد وقعت الكثير من أخواتنا في إظهار سوقهنّ وهنّ يلبسن الجوارب السميكة والرقيقة أو البناطيل فكلّ ماحدد حجم أعضاء المرأة محرّم- وهل من لبست اللباس الضيّق تحقق فيها قول ربّها :
(( ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) ؟ ... أم تحقق فيها قول نبيّها عليه الصلاة والسلام (( كاسيات عاريات )) كما تقدّم ؟؟
وهل خشية المرأة على حرمة جسدها و على النظر إليها نظرة محرّمة حال وفاتها أشدّ أم حال حياتها ؟؟؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار ...
خامساً : أن لا يكون مُبخراً مُطَيَّبَاً.
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بسر بن سعيد قال أخبرتني زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : (( إذا خرجت إحداكن إلى العشاء فلا تمس طيباً)) . وروى النسائي وغيره بإسناد حسن عن الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أيما امرأةٍ استعطرت فمرّت على قومٍ ليجدوا من ريحها فهي زانية)) ...
روى البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن أبي هريرة : (( أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أَمَة الجبار المسجد تريدين قالت: نعم قال: وله تطيبت قالت: نعم قال: فارجعي فاغتسلي فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاتها حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل))...
فتأمّلي أخيّة هذه الإشارة من المصطفى صلّى الله عليه وسلّم إلى أدنى ما تُحَرّكُ به الشهوة ألا وهو العطر وهذا الزجر الصارخ , أإذا كانت المتعطّرة زانية - والعياذ بالله- فما بالكِ بحكم من خرجت وقد تفننت برسم لوحةٍ على وجهها و نمصت حاجباها , مع إظهار وتحجيم ما أمرت به من عوراتها فما حكمها يارعاكِ الله ؟؟؟ ...
أفليس نزعُ الحجاب وعدمُ الإقتناع به أو امتهانه و التفنن بتبرّجه كحجاب من زعمن التوبة من الفنانات -هداهن الله- أحقّ بالزجر من مجرّد هذا العطر ؟؟؟
سادساً : أن لا يشبه لباس الرجل.
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمروا بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
((ليس منّا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال)) ...
روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمدمن الخمر والمنّان بما أعطى))...
والديّوث:هو الذي لا يغار على أهله , أو الذي يقود عليهم .-عافانا الله مما ابتلى به كثير من ذكور أمّتنا من انعدام الغيرة -
وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال وتشبه الرجال بالنساء في ( كتاب الكبائر ) ( ص 129 ) وأورد بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال :
( فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم فتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أو رضي به ولم ينهها لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقول الله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) ,
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في أهله ومسؤول عنهم يوم القيامة )) متفق عليه ...
تبيّن من هذين الحديثين عدم جواز لبس -البنطلون- و -الجاكيت- وهناك من أحاديث النهي عن التشبّه لكلا الجنسين بالآخر الشيئ الكثير و اكتفيت بهذين الدليلين خشية الإطالة , وعسى أن تترك من اعتادت هذا اللباس ما نهاها نبيّها عنه وقد أمرنا ربّنا بذلك بقوله في الآية 7 من سورة الحشر : ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب))...
وهذا التشبّه تفشّى بين الكثيرات , من أخواتنا -عافاهنّ الله- واللاتي نحسب في كثير منهنّ الخير الكثير , وعسى أن نكون وإيّاهم ممن خصّنا الله بقوله في الآية51 بسورة النور
((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)) ... -جعلنا الله وإيّاكنّ من المفلحين-
سابعاً : أن لا يشبه لباس الكافرات.
المشرف بيكاتشووووووووو
(انتظروا الجزء الثالث)
انتظر الرد