الحِجَابُ بَينَ الفَرضِ و العَرض
"وظَاهِرةُ السُّفورِ المُقََنَّع"
مُقدّمةٌ وأصلٌ مهمّ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبهِ ومن والاه ... أما بعد
فهذه رسالةٌ أذكّر بها كلّ أختٍ من أخواتي غرّتها صَيَحَات السفُور و دُعات فضائيّات الفجور و مكرُ الغربِ العَهُور ,
حتّى تدرّج بهنّ الشيطان فنزع الحجاب عن رؤوس الكثيرات و شوّه معناه وصورته على أجساد الباقيات ... و لكأن أمر هذا الدّين أمرٌ هينٌ لنأخذه ممّن هبّ ودبّ ,
وأحسن حين قال الإمام محمد بن سيرين كما في صحيح مسلم : ((إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم)) ...
فعلينا أن نأخذ ديننا من كتاب ربّنا ومن سنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلّم وأن نفهمَا فهم صحابتنا الكرام وأئمّة تابعيهم الأعلام السائرين على نهج خير الأنام ...
لا أن نأخذ ديننا من آراء وأهواء الرجال أيّاً كانوا فكما قيل : ( يُعرفُ الرجال بالحق و لا يُعرف الحقّ بالرجال) ...
أخيّتي إنها صيحةُ نذيرٍ مشفقٍ مما آل إليه أمر الدّين في هذه الأيّام فقد تلقينا النسبة إلى الإسلام بالوراثة -فقط- و ضاعت منّا معاني هذا الدين العظيم وكثيراً من شرائعه
بين دعوات التحرر المختلفة ولا أدري حقيقةً كيف يتحرر عبدٌ ناصيتهُ بيدِ مولاه جلَّ في عُلاه ؟
وهل يخفى على كلّ عاقلٍ أنّ بعد إنقضاء هذه الدنيا الفانية إمّا أنّه سيكون في جنّة عالية أو بين أيدي "محترفي التعذيب" في جهنّم المسمّون بالزّبانية ؟ ...
ولكننا حقيقةً في زمن الغربة - غربة هذا الدّين - الذي أخبر عنه الصادق المصدوق عليه وعلى آله أفضل الصلاة و أتمّ التسليم
حين قال في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني في الأوسط والصغيروغيره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال :
((إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال الذين يصلحون إذا فسد الناس)) ...
فو الله أخيّة لو بُعث رسول الله ما عرفنا , نعم فما هكذا علّمنا و لا هكذا تركنا وقد أوصانا فداه أبي وأمي كما في الصحيح من سنن ابن ماجه وغيره من حديث العرباض بن سارية
(( قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجِلَت منها القلوب . فقلنا يا رسول الله : إن هذه لموعظة مودع , فما تعهد إلينا ؟ قال: قد تركتكم
على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك , من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً , فعليكم بما عرفتم من سُنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين . عضوا عليها بالنواجذ . وعليكم بالطاعة . وإن عبداً حبشياً . فإنما المؤمن كالجمل الأَنِفُ حيثما قيد انقاد)) ... والمقصود بالبيضاء : الشريعة النقيّة , والجمل الأنِفُ: -هو الذلول السهل الإنقياد- وقد شبّه صلى الله عليه وسلّم المؤمن به لأنّه سهلُ الإنقياد إلى ربّه يقول في كلّ أمر سمعنا وأطعنا ولا يكون لسان حاله كما كان يقول بنو اسرائيل سمعنا وعصينا ...
(( فالمؤمن لا يقول ولو كان الأمير أو الآمر بالمعروف عبداً حبشيّاً : لا أصلّي حتّى أقتنع ولا يقول : لا أصوم حتّى أقتنع ولا أحجّ كذلك حتّى أقتنع و لا تقول المؤمنة الطاهرة أيضاً : لا أتحجب حتّى أقتنع فأخشى ما أخشاه أن لا يقتنع أحدهم إلا وهو بين براثن الموت قد التحف بالتراب و استوحش بعيداً عن الأحباب وصار أسيراً في أوّل دركات العذاب بين الديدان والجرذان يصيح و يصرخ دون أدنى جواب )) ... فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بهذا الحديث عن الاختلاف الذي سيطرأ على المتمسكين بشرعة الإسلام وأمرنا أن نتمسّك بالشريعة النقيّة التي جاء بها هو والتي اتّبعها الراشدون المهديون من خلفائه لا التي آل إليها الدين بعده بأكثر من ألف وأربعمائة قرن ...
*و قبل الشروع بسرد بعض الأدلّة من الكتاب والسنّة إليكِ بعض شرح المفردات المهمّة بين يدي هذه الرسالة*:
((الجلباب: ثوبٌ سابغٌ تشتمل به المرأة من الرأس وحتى القدم ويسمّى بالملاءة و بالإزار الكبير , الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها ,
الأجانب أي الغير مذكورين في الآية31 من سورة النور , الجَيب: موضع القطع من الدرع والقميص أي مكان الصدر, التبرّج: فهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها المثيرة للرجال
الزينة-على قولين صحيحين-: إمّا الوجه والكفّان *ابن عباس* , أو جلباب المرأة وما ظهر من تحته دون قصد وتداركته بسترها إيّاه *ابن مسعود*)) ...
أدلّةُ الحجابِ و كيفيّتهِ
ودعينا أختاه نعود لآيات وأحاديث الحجاب الصحيحة وشروطه لتتضح الصورة حوله والله المستعان :
قال ربّنا جلّ وعلى في سورة النورآية31((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) ..
وقال أيضاً في سورة الأحزاب آية 59 ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا((..
وقد ورد الكثير من الأحاديث و إليكِ بعضاً منها :
الحديث الأول :روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن فاختمرن بها((
-والمرْطُ: كِساء من خَزّ أَو صُوف أَو كتّان-وهنا دليلٌ على وجوب تغطية الصدر بالخمار لا تركه بارزاً ...
الحديث الثاني:وروى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما حديث أم عطية رضي الله عنها :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد قالت أم عطية : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها ) ...
وهنا دليلٌ أختاه على عدم جواز الخروج بدون جلباب حتّى لأطهرِ الأماكن ولأجلّ العبادات ...
الحديث الثالث: ما روى البخاري ومسلم في قصة حادثة الإفك مع أمّنا عائشة قولها رضي الله عنها : ((فخمرت وجهي بجلبابي)) عندما سمعت صوت استرجاع
صفوان ابن المعطل السلمي -أي قوله إنّا لله وإنّا إليه راجعون-
الحديث الرابع: روى أبو داوود في حديثه الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا جاوزوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه)) ...
الحديث الخامس : روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين , عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت :
كنّا نغطي وجوهنا من الرجال و كنّا نتمشط قبل ذلك في الإحرام))))
الحديث السادس : أخرج الترمذي في حديثه الحسن الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبرا فقالت : إذن تنكشف أقدامهنّ قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه))
-أي أمر عليه الصلاة والسلام بأن ترخي النساء من منتصف ساقها ذراعاً-
وانظرِ أختاه على حرص أمّنا أم سلمة رضي الله عنها على الستر وفي هذا الحديث وجوب تغطية المرأة لساقيها وقدميها أيضاً ...
الحديث السابع : أخرج الترمذي بحديثه الصحيح عن أبي أحوص عن عبد الله :عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) ... وجاء في شرح هذا الحديث في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي -(( الأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء وبسط الكف فوق الحاجب والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة , أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق سماه به على التشبيه))- ...
و لولا خشية الإطالة لأتينا بالمزيد من هذه الأحاديث الشريفة التي قالها الصادق المصدوق تشريفاً للمرأة المسلمة وتنزيهاً عن الخوض في غمار السفور الذي أهلك باقي الأمم حتّى وصل الأمر ببعضهن هناك إلى أن يعرضن أجسادهن عاريات خلف زجاج محلات الفاحشة لينهش لحومهنّ سباع الإنس ووحوشهم دون أدنى كرامة لإنسانيّة المرأة ... والله وحده الستّير...
و الآن نأتي لشروط الحجاب التي استنبطها العلماء من أدلّة الكتاب والسنّة المطهّرة (علماً أنّ الشروط الثلاثة الأخيرة في اللباس تنطبق على الرجال والنساء معاً)
( قدم لكم المشرف بيكاتشووووووو)
(انتظر الرد والتعليق)